سورة الممتحنة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الممتحنة)


        


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} الآية.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، حدثنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار، أخبرني الحسن بن محمد أنه سمع عبد الله بن أبي رافع يقول سمعت عليا رضي الله عنه يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها» قال: فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب فقالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتُخْرِجَنَّ الكتاب أو لتلقين الثياب، قال: فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا حاطب ما هذا؟ قال: يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرًأ ملصقًا في قريش- يقول كنت حليفًا ولم أكن من أنفسها- وكان مَنْ معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت- إذ فاتني ذلك من النسب فيهم- أن أتخذ عندهم يدًا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادًا عن ديني ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقكم، فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: إنه قد شهد بدرًا وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرًا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فأنزل الله تعالى هذه السورة: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تُلقون إليهم بالمودة} إلى قوله: {سواء السبيل}.
قال المفسرون: نزلت الآية في حاطب بن أبي بلتعة كما جاء في الحديث، وذلك أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف أتت المدينة من مكة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسلمة جئت؟ قالت: لا قال أمهاجرة جئت؟ قالت: لا قال: فما جاء بك قالت: كنتم الأصل والعشيرة والموالي وقد ذهبت مواليَّ وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني وتحملوني، فقال لها: وأين أنت من شبان مكة؟ وكانت مغنية نائحة، قالت: ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر، فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وبني المطلب فأعطوها نفقة وكسوها وحملوها فأتاها حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزى، فكتب معها إلى أهل مكة، وأعطاها عشرة دنانير، وكساها بُرْدًا على أن توصل الكتاب إلى أهل مكة، وكتب في الكتاب: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم، فخذوا حِذْركم.
فخرجت سارة، ونزل جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا وعمارًا والزبير وطلحة والمقداد بن الأسود وأبا مرثد فرسانًا فقال لهم: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين، فخذوا منها وخلوا سبيلها وإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها.
قال: فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لها: أين الكتاب؟ فحلفت بالله ما معها كتاب، فبحثوها وفتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابًا فهمُّوا بالرجوع، فقال علي رضي الله عنه: والله ما كذبنا ولا كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلَّ سيفه فقال: أخرجي الكتاب وإلا لأجردنك ولأضربن عنقك. فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها وكانت قد خبأته في شعرها فخلوا سبيلها ولم يتعرضوا لها ولا لما معها فرجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاطب، فأتاه فقال: هل تعرف الكتاب؟ قال: نعم قال: فما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك، ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته، وكنت غريبًا فيهم، وكان أهلي بين ظهرانيهم، فخشيت على أهلي، فأردت أن أتخذ عندهم يدًا، وقد علمت، أن الله ينزل بهم بأسه، وأن كتابي لا يغني عنهم شيئا فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذره.
فقام عمر بن الخطاب فقال: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟ فأنزل الله عز وجل في شأن حاطب: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء}.
{تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} قيل: أي المودة، والباء زائدة، كقوله: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} [الحج- 25] وقال الزّجَّاج: معناه تلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وسِرَّه بالمودة التي بينكم وبينهم {وَقَدْ كَفَرُوا} الواو للحال، أي: وحالهم أنهم كفروا {بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} يعني القرآن {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} من مكة {أَنْ تُؤْمِنُوا} أي لأن آمنتم، كأنه قال: يفعلون ذلك لإيمانكم {بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ} هذا شرط جوابه متقدم وهو قوله: {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق إن كنتم خرجتم} {جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} قال مقاتل: بالنصيحة {وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ} من المودة للكفار {وَمَا أَعْلَنْتُمْ} أظهرتم بألسنتكم {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} أخطأ طريق الهدى.


{إِنْ يَثْقَفُوكُمْ} يظفروا بكم ويروكم {يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} بالضرب والقتل {وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ} بالشتم {وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} كما كفروا. يقول: لا تناصحوهم فإنهم لا يناصحونكم ولا يوادُّونكم.


{لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ} معناه: لا يَدْعُوَنَّكم ولا يحملَّنكم ذوو أرحامكم وقراباتكم وأولادكم الذين بمكة إلى خيانة الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وترك مناصحتهم وموالاة أعدائهم فلن تنفعكم أرحامكم {وَلا أَوْلادُكُمْ} الذين عصيتم الله لأجلهم {يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} فيدخل أهل طاعته الجنة وأهل معصيته النار. قرأ عاصم ويعقوب {يَفْصِلُ} بفتح الياء وكسر الصاد مخففًا، وقرأ حمزة والكسائي بضم الياء وكسر الصاد مشددًا، وقرأ ابن عامر بضم الياء وفتح الصاد مشددًا وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الصاد مخففًا. {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ} قدوة {حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} من أهل الإيمان {إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ} من المشركين {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ} جمع بريء {وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ} جحدنا وأنكرنا دينكم {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} يأمر حاطبًا والمؤمنين بالاقتداء بإبراهيم عليه الصلاة والسلام، والذين معه من المؤمنين في التبرؤ من المشركين {إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} يعني: لكم أسوة حسنة في إبراهيم وأموره إلا في استغفاره لأبيه المشرك، فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان قد قال لأبيه: لأستغفرن لك، ثم تبرأ منه- على ما ذكرناه في سورة التوبة- {وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} يقول إبراهيم لأبيه: ما أغني عنك ولا أدفع عنك عذاب الله إن عصيتَه وأشركتَ به {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا} يقوله إبراهيم ومن معه من المؤمنين {وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.

1 | 2 | 3